سورة البقرة - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


وأما التفسير. فقوله: {ألم} اختلف العلماء فيها وفي سائر الحروف المقطعة في أوائل السور على ستة أقوال.
أحدها: أنها من المتشابه الذي لا يعلمه الا الله. قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: لله عز وجل في كل كتاب سر، وسر الله في القرآن أوائل السور، وإلى هذا المعنى ذهب الشعبي، وأبو صالح، وابن زيد.
والثاني: أنها حروف من أسماء، فاذا أُلفت ضرباً من التأليف كانت أسماء من أَسماء الله عز وجل. قال علي بن أبي طالب: هي أسماء مقطعة لو علم الناس تأليفها علموا اسم الله الذي إِذا دعي به أجاب.
وسئل ابن عباس عن {آلر} و{حم} و{نون} فقال: اسم الرحمن على الهجاء، وإِلى نحو هذا ذهب أبو العالية، والربيع بن أنس.
والثالث: أنها حروف أقسم الله بها، قاله ابن عباس، وعكرمة. قال ابن قتيبة: ويجوز أن يكون أقسم بالحروف المقطعة كلها، واقتصر على ذكر بعضها كما يقول القائل: تعلمت أ ب ت ث وهو يريد سائر الحروف، وكما يقول: قرأت الحمد، يريد فاتحة الكتاب، فيسميها بأول حرف منها، وإِنما أقسم بحروف المعجم لشرفها ولأنها مباني كتبه المنزلة، وبها يذكر ويوحد. قال ابن الانباري: وجواب القسم محذوف، تقديره: وحروف المعجم لقد بين الله لكم السبيل، وأنهجت لكم الدّلالات بالكتاب المنزل، وإِنما حذف لعلم المخاطبين به، ولأن في قوله: {ذلك الكتاب لا ريب فيه} دليلاً على الجواب.
والرابع: انه أشار بما ذكر من الحروف إِلى سائرها، والمعنى أنه لما كانت الحروف أُصولاً للكلام المؤلف، أخبر أن هذا القرآن إِنما هو مؤلف من هذه الحروف، قاله الفراء، وقطرب.
فان قيل: فقد علموا أنه حروف، فما الفائدة في إِعلامهم بهذا؟
فالجواب أنه نبه بذلك على إِعجازه، فكأنه قال: هو من هذه الحروف التي تؤلفون منها كلامكم، فما بالكم تعجزون عن معارضته؟! فاذا عجزتم فاعلموا أنه ليس من قول محمد عليه السلام.
والخامس: أنها أسماء للسور. روي عن زيد بن أسلم، وابنه، وأبي فاختة سعيد ابن علاقة مولى أم هانئ.
والسادس: أنها من الرمز الذي تستعمله العرب في كلامها. يقول الرجل للرجل: هل تا؟ فيقول له: بلى، يريد هل تأتي؟ فيكتفي بحرف من حروفه. وأنشدوا:
قلنا لها قفي لنا فقالت قاف *** لا تحسبى أنا نسينا الإيجاف
أراد قالت: أقف. ومثله:
نادوهم ألا الجموا ألا تا *** قالوا جميعاً كلهم ألا فا
يريد: ألا تركبون؟ قالوا: بلى فاركبوا. ومثله:
بالخير خيرات وإن شراً فا *** ولا أريد الشر إِلا أن تا
معناه: وإن شراً فشر ولا أريد الشر إِلا أن تشاء. وإِلى هذا القول ذهب الأخفش، والزجاج، وابن الأنباري.
وقال أبو روق عطية بن الحارث الهمداني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة في الصلوات كلها، وكان المشركون يصفّقون ويصفّرون، فنزلت هذه الحروف المقطعة، فسمعوها فبقوا متحيرين. وقال غيره: إِنما خاطبهم بما لا يفهمون ليقبلوا على سماعه، لأن النفوس تتطلع إِلى ما غاب عنها معناه، فاذا أقبلوا اليه خاطبهم بما يفهمون، فصار ذلك كالوسيلة إلى الإبلاغ، إلا أنه لا بد له من معنى يعلمه غيرهم، أو يكون معلوماً عند المخاطبين، فهذا الكلام يعم جميع الحروف.
وقد خص المفسرون قوله «الاما»% بخمسة أقوال:
أحدها: أنه من المتشابه الذي لا يعلم معناه الا الله عز وجل، وقد سبق بيانه.
والثاني: أَن معناه: أَنا الله أعلم. رواه أَبو الضحى عن ابن عباس، وبه قال ابن مسعود، وسعيد بن جبير.
والثالث: أنه قسم. رواه أبو صالح عن ابن عباس، وخالد الحذاء عن عكرمة.
والرابع: أنها حروف من أسماء. ثم فيها قولان. أَحدهما: أَن الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد قاله ابن عباس.
فان قيل: إِذا كان قد تنوول من كل اسم حرفه الأول اكتفاءً به، فلم أُخذت اللام من جبريل وهي آخر الاسم؟!
فالجواب: أن مبتدأَ القرآن من الله تعالى، فدلَّ على ذلك بابتداء أول حرف من اسمه، وجبريل انختم به التنزيل والإِقراء، فتنوول من اسمه نهاية حروفه، ومحمد مبتدأ في الإقراء، فتنوول أول حرف فيه. والقول الثاني: أَن الألف من الله تعالى، واللام من لطيف والميم من مجيد قاله أبو العالية.
والخامس: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله مجاهد، والشعبي، وقتادة، وابن جريج.


قوله تعالى: {ذلك} فيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى هذا، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والكسائي، وأبي عبيدة، والأخفش. واحتج بعضهم بقول خفاف بن ندبة:
أَقول له والرمح يأطر متنه *** تأمل خفافا إِنني أنا ذلكا
أي: أنا هذا. وقال ابن الأنباري. إنما أراد: أنا ذلك الذي تعرفه.
والثاني: أنه إشارة الى غائب.
ثم فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه أراد به ما تقدم إنزاله عليه من القرآن.
والثاني: أنه أراد به ما وعده أن يوحيه إليه في قوله: {سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} [المزمل: 5].
والثالث: أنه أراد بذلك ما وعد به أهل الكتب السالفة، لأنهم وعدوا بنبي وكتاب.
و {الكتاب}. القرآن. وسمي كتاباً، لأنه جمع بعضه إلى بعض، ومنه الكتيبة، سميت بذلك لاجتماع بعضها إلى بعض. ومنه: كتبت البغلة.
قوله تعالى: {لا ريب فيه} الرَّيب: الشك. والهدى: الإِرشاد. والمتقون: المحترزون مما اتقوه.
وفرَّق شيخنا علي بن عبيد الله بين التقوى والورع، فقال: التقوى: أخذ عدة، والورع: دفع شبهة، فالتقوى: متحقق السبب، والورع: مظنون المسبَّب.
واختلف العلماء في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوال.
أحدها: أن ظاهرها النفي، ومعناها النهي، وتقديرها: لا ينبغي لأحد أن يرتاب به لإتقانه وإحكامه. ومثله: {ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء} [يوسف: 38] أي: ما ينبغي لنا. ومثله: {فلا رفت ولا فسوق} [البقرة: 196] وهذا مذهب الخليل، وابن الأنباري.
والثاني: أن معناها: لا ريب فيه أنه هدىً للمتقين. قاله المبرّد.
والثالث: أن معناها: لا ريب فيه أنه من عند الله، قاله مقاتل في آخرين.
فان قيل: فقد ارتاب به قوم.
فالجواب: انه حق في نفسه، فمن حقق النظر فيه علم. قال الشاعر:
ليس في الحق يا أمامة ريب *** إنما الريب ما يقول الكذوب
فان قيل: فالمتقي مهتد، فما فائدة اختصاص الهداية به؟
فالجواب من وجهين. أحدهما: أنه أراد المتقين، والكافرين، فاكتفى بذكر أحد الفريقين، كقوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] أراد: والبرد.
والثاني: أنه خصَّ المتقين لانتفاعهم به، كقوله: {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45]. وكان منذراً لمن يخشى ولمن لا يخشى.


قوله تعالى: {الذين يؤمنون بالغيب} الايمان في اللغة: التصديق، والشرع أقره على ذلك، وزاد فيه القول والعمل. وأصل الغيب: المكان المطمئن الذي يستتر فيه لنزوله عما حوله فسمي كل مستتر: غيباً.
وفي المراد بالغيب هاهنا ستة أقوال.
أحدها: أنه الوحي، قاله ابن عباس، وابن جريج.
والثاني: القرآن، قاله أبو رزين العقيلي، وزر بن حبيش.
والثالث: الله عز وجل، قاله عطاء، وسعيد ابن جبير.
والرابع: ما غاب عن العباد من أمر الجنة والنار، ونحو ذلك مما ذكر في القرآن. رواه السدي عن أشياخه، وإليه ذهب أبو العالية، وقتادة.
والخامس: أنه قدر الله عز وجل، قاله الزهري.
والسادس: أنه الايمان بالرسول في حق من لم يره. قال عمرو بن مرَّة: قال أصحاب عبد الله له: طوبى لك، جاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجالسته. فقال: إن شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مبيِّنا لمن رآه، ولكن أعجب من ذلك: قوم يجدون كتاباً مكتوباً يؤمنون به ولم يروه، ثم قرأ: {الذين يؤمنون بالغيب}
قوله تعالى: {ويقيمون الصلاة} الصلاة في اللغة: الدعاء. وفي الشريعة: أفعال وأقوال على صفات مخصوصة. وفي تسميتها بالصلاة ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها سميت بذلك لرفع الصَّلا، وهو مغرز الذنب من الفرس.
والثاني: أنها من صليت العود إذا لينته، فالمصلي يلين ويخشع.
والثالث: أنها مبنية على السؤال والدعاء، والصلاة في اللغة: الدعاء، وهي في هذا المكان اسم جنس.
قال مقاتل: أراد بها هاهنا: الصلوات الخمس.
وفي معنى إقامتها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه تمام فعلها على الوجه المأمور به، روي عن ابن عباس، ومجاهد.
والثاني: أنه المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها، قاله قتادة، ومقاتل.
والثالث: إِدامتها، والعرب تقول في الشيء الراتب: قائم، وفلان يقيم أرزاق الجند، قاله ابن كيسان.
قوله تعالى: {ومما رزقناهم} أي: أعطيناهم {ينفقون} أي يخرجون. وأصل الإِنفاق الإِخراج. يقال: نفقت الدابة: إذا خرجت روحها.
وفي المراد بهذه النفقة أربعة أقوال.
أحدها: أنها النفقة على الأهل والعيال، قاله ابن مسعود، وحذيفة.
والثاني: أنها الزكاة المفروضة، قاله ابن عباس، وقتادة.
والثالث: أنها الصدقات النوافل، قاله مجاهد والضحاك.
والرابع: أنها النفقة التي كانت واجبة قبل وجوب الزكاة، ذكره بعض المفسرين، وقالوا: إنه كان فرض على الرجل أن يمسك مما في يده مقدار كفايته يومه وليلته، ويفرق باقيه على الفقراء. فعلى قول هؤلاء، الآية منسوخة بآية الزكاة، وغير هذا القول أثبت. واعلم أن الحكمة في الجمع بين الإِيمان بالغيب وهو عقد القلب، وبين الصلاة وهي فعل البدن، وبين الصدقة وهو تكليف يتعلق بالمال-أنه ليس في التكليف قسم رابع، إذ ما عدا هذه الأقسام فهو ممتزج بين اثنين منهما، كالحج والصوم ونحوهما.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8